إبراهيم العجمى يكتب: مصر وموازين القوى العالميةبعد حرب الجارتين النوويتين

بعد الصراع الجيوسياسي الأخير بين الهند وباكستان، بدأت ملامح جديدة ترتسم على خريطة موازين القوى في جنوب آسيا، في مشهدٍ له انعكاسات تتجاوز الإقليم إلى النظام الدولي برمّته. فالاشتباك الجوي الذي أسفر عن إسقاط باكستان خمس طائرات هندية، شكّل صدمة عسكرية للهند، التي لم تتوقع هذا التفوق الجوي الباكستاني المباغت. في المقابل، تعيش باكستان لحظة نشوة الانتصار، معتبرةً الحدث نقطة تحوّل في معادلات الردع الإقليمي.
لكن الحدث لم يقف عند حدود جنوب آسيا؛ فقد فتحت تداعياته أبوابًا لتحليلات أوسع تتعلق بتوازنات القوى العالمية. الصين، حليف باكستان الوثيق، دخلت المشهد بطريقتها، إذ تشير التقارير إلى أن صواريخها المتقدمة كانت العامل الحاسم في إسقاط الطائرات الهندية، وهو ما دفع كثيرين إلى إعادة تقييم فاعلية التكنولوجيا العسكرية الغربية أمام البديل الصيني الأرخص والأكثر تكيفًا مع الحروب الحديثة.
في المقابل، أصيب الغرب بصدمة من الأداء الصيني، ليس فقط على المستوى العسكري، بل على مستوى ما يعنيه ذلك من فقدان السيطرة التقنية والهيمنة التكنولوجية.
هذا التفوق المفاجئ للصين يرسّخ موقعها كقوة عسكرية متنامية، ويعزز سردية بكين كبديل اقتصادي وسياسي قادر على منافسة – بل وكسر – هيمنة القطب الواحد الذي تمثله الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.
أما في الشرق الأوسط، فقد جاءت هذه التطورات في لحظة متوترة تشهد أسوأ توتر بين مصر وإسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام، على خلفية الحرب المتواصلة على قطاع غزة،وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من الاصطفافات الجديدة ويُعيد تشكيل المشهد السياسي في المنطقة في ضوء تغير الموازين العالمية.
وفي خضم هذا المشهد، استعادت القاهرة ثقة كبيرة في مسارها الاستراتيجي المتعلق بتنوّع مصادر السلاح، وهو التوجّه الذي بدأته منذ سنوات لتتحرر من الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة الأمريكية. فالعلاقات العسكرية مع روسيا عادت بقوة، وكذلك مع فرنسا وإيطاليا ودول أخرى في الغرب، ما منح الجيش المصري مرونة استراتيجية ومصداقية أكبر في موازين الردع الإقليمي.
على النقيض، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يعتمد بشكل شبه كامل على السلاح الأمريكي، الذي يتراجع في ساحة الحرب الأوكرانية الروسية من ناحية، وفي ساحة الحرب الهندية أمام باكستان من ناحية أخرى.
ما يضعه في موقع هش كرهان استراتيجي، ويعزز من موقف مصر وخصوصًا في سلاح الدفاع الجوي كرهان حقيقي على تنوع المنظومة.
باختصار، نحن أمام مرحلة انتقالية تتسارع فيها التحولات. لم تعد واشنطن وحدها من تملك مفاتيح التأثير، بل بات العالم أمام مشهد متعدد الأقطاب، حيث تتقدّم بكين بخطى ثابتة، وتعيد تعريف قواعد اللعبة الدولية، وتُعيد القاهرة تموضعها بثقة في معادلات الأمن الإقليمي.