الموجز اليوم

حمدية عبد الغنى تكتب: حين بكت البلكونة!

-

في صباحٍ بدا عاديًا، استيقظت على صوت غريب، لم يكن صوت عصفور ولا زقزقة ريح… بل صرخة خافتة، متقطعة، كأنها أنين مكسور القلب.. فتحت نافذتي بتوجس، وتقدّمت نحو البلكونة بخطى حذرة.. الصوت كان يزداد وضوحًا… وهناك، على الكرسي المرجيحة، كانت القطة.

قطة سوداء اللون، شعثاء الفراء، تتلوّى بألم واضح، وقد احتضنت ثلاثة كائنات صغيرة بالكاد تتحرك.. لقد وضعتهم تواً، في هذا الركن الهادئ من عالمي.. رمشت بدهشة، ثم بعدم تصديق… فأنا أخاف القطط، بل أتهرب منها دومًا ،لكن الموقف تجاوز خوفي.

وقفت متصلبة لا أعرف ما أفعل! دقائق مرت كأنها ساعات، حتى جاء إبن أختي ..أعطيته صندوقًا صغيرًا، فوضع فيه القطط بحذر، وأنا من خلفه أرتبك وأراقب..أعددت لهم طبقًا من الحليب وآخر من الماء، ووضعناهم في زاوية من رصيف البلكونة، آمنين قدر ما نستطيع.

كان ذلك في الكمبوند الذي أقطن فيه، حيث يسكن الصمت جدران الصباح، ولا يُسمع فيه عادةً إلا صوت الريح بين الأشجار، لكن هذا اليوم كان مختلفًا.

فجأة، تبدّل كل شيء.. أطفال الكمبوند تسللوا واحدًا تلو الآخر، حتى صار المكان كخلية نحل صاخبة.. ضحكات، صراخ، عيون تتأمل الصغار بدهشة، وقلوب صغيرة تبحث عن الأم المختفية.

وسرعان ما عادت… القطة السوداء، التي ربما خرجت لتبحث عن مأوى أكثر أمانا لصغارها، وما إن ظهرت، حتى علت الهتافات، وكأن الأطفال شهدوا نهاية فيلم سعيد.. التفوا حولها، يراقبونها وهي تتفقد صغارها، تدفئهم بجسدها، وتمنحهم الطمأنينة من جديد.

في ذلك اليوم… لم تكن البلكونة مجرد ركن من المنزل.. كانت مسرحًا صغيرًا لحياة تولد من جديد، ودرسًا خفيًا في الرحمة، والجمال، والبدايات غير المتوقعة.