الموجز اليوم
الموجز اليوم

حمدية عبد الغنى تكتب: فيلم ”ريستارت ” طرح جرئ لفكرة عصرية ..أضعفها التنفيذ

-

في موسم صيف 2025، يعرض فيلم "ريستارت" فى دور العرض حاملاً توقيع النجم تامر حسني وبطولة كل من هنا الزاهد، محمد ثروت، عصام السقا، وميمي جمال. الفيلم من تأليف أيمن بهجت قمر، وإخراج سارة وفيق.

يدور الفيلم في إطار كوميدي إجتماعي ، ويطرح فكرة محورية تتعلق بسيطرة الإنترنت على حياتنا اليومية، وما يمكن أن يحدث إذا تم "قطع الإنترنت تحت الماء"، في إشارة ساخرة إلى الترند الذي يستهلك عقول واهتمامات الجمهور المعاصر.

يروي "ريستارت" حكاية "محمد"، فني الهواتف البسيط، الذي يقع في حب "عفاف"، نجمة صاعدة على تيك توك، وسط عالم سحري يبدو أنه يمنح الثراء مقابل القليل من المبادئ.
الفكرة تدور حول هيمنة السوشيال ميديا، وخاصة تيك توك، على العقول والسلوك الإنساني، وكيف يتحول الإنسان إلى تابع لـ"التريند"، مدفوعًا بهوس الشهرة والدولارات.

يحمل عنوان الفيلم "ريستارت" دلالة رمزية تتجاوز المعنى التقني لإعادة تشغيل الأجهزة، فالكلمة في سياق العمل تعكس دعوة لإعادة تشغيل الذات البشرية: وعي الإنسان، تفكيره، وحتى علاقته مع محيطه الواقعي.

إنها لحظة "إيقاف وتشغيل من جديد"، تعبر عن الحاجة إلى وقفة تأملية تُعيد ترتيب أولوياتنا . "ريستارت" ليست مجرد كلمة، بل حالة نفسية وعقلية، يقترحها الفيلم كحل مؤقت للخروج من دوامة الإدمان الرقمي، وإعادة التواصل مع الواقع والجوهر الإنساني، والقيم التى أصبحت ضائعًة وسط زحام الشاشات والترندات.

لذلك موضوع الفيلم يعد مهمًا وحيويًا، حيث يتناول إدمان الإنترنت وتأثيره السلبي على العلاقات الإنسانية، والوعي، وحتى الذاكرة الجمعية، من خلال حبكة خيالية تحاول طرح سيناريو "قطع الإنترنت من جذوره"، مما يعكس رغبة في إعادة تسليط الضوء على أهمية الواقع الحقيقي في مقابل الواقع الإفتراضى.

يُحسب للفيلم محاولته الجمع بين الرسالة الاجتماعية والإطار الكوميدي الترفيهي، ما يجعله أقرب للجمهور، ويمنحه فرصة للتفكير من دون مباشرة أو وعظ.
الفكرة الأساسية مبتكرة وواقعية، خاصة في ظل تزايد الإعتماد المرضي على الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي.

الأداء التمثيلي لعدد من النجوم كان سلسًا ومقنعًا، خاصة من تامر حسني في بعض اللحظات التي جمع فيها بين الجدية والهزل، كما أن توظيف مواقع التواصل والتريندات كمادة للسخرية والنقد يعتبر توظيفًا ذكيًا لما يشغل تفكير الجيل الجديد.

لكن على الرغم من جرأة الفكرة، نجد أن سيناريو الفيلم افتقر إلى العمق والتسلسل المنطقي، مما جعله في بعض الأحيان يبدو كمجموعة من الإسكتشات المتفرقة أكثر من كونه عملاً سينمائيًا متماسكًا.

المعالجة الدرامية جاءت سطحية في بعض جوانبها، فبينما يناقش الفيلم قضية خطيرة مثل الإنفصال عن الواقع بسبب الإنترنت، إكتفى بتناول ساخر دون أن يقدم تحليلاً دقيقًا أو حلولًا أو حتى صدمة درامية تحرك وعي المشاهد.

ركز الفيلم كثيرًا على إستعراض التريندات في إطار كوميدي، مما جعله في لحظات يبدو وكأنه يتعامل مع الموضوع من زاوية خفيفة هدفها الضحك، بدلاً من تقديم نقد فعلي قائم على بناء درامي مقنع.

الإخراج بدوره لم يرتقِ إلى مستوى الطرح، إذ ظهرت تفاوتات في الإيقاع بين المشاهد، بعضها يبدأ بطاقة عالية ثم ينتهي فجأة دون تصاعد، بالإضافة إلى ضعف الربط بين اللقطات، مما يشتّت تركيز المشاهد.

ومن الملاحظ أيضا غياب الأغنية التى كانت تميز أفلام تامر حسني ، إذ لم يقدم الفيلم أغنية رئيسية قوية، كانت لتضيف ثقلًا فنيًا وتسويقيًا للعمل.

رغم كل ذلك، يظل فيلم "ريستارت" تجربة تستحق التقدير من حيث النية الطيبة والطرح الجريء لقضية معاصرة، حتى وإن خان التنفيذ هذه النوايا، ولو أُعيد النظر في السيناريو والمعالجة والإخراج، ربما كان بالإمكان إنتاج عمل أكثر تأثيرًا وعمقًا.

يُحسب لصنّاع الفيلم فتح باب مناقشة واحدة من أخطر قضايا العصر الرقمي: الإنفصال عن الواقع، وإنهيار المعايير تحت ضغط الترند والظهور اللحظي، حتى وإن لم تكن النتيجة النهائية على قدر الطموح.