تحول القواعد الأمريكية من القهوة إلى التهديد فى الخليج العربي

لم تكن القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في دول الخليج العربي سوى رموز للطمأنينة السياسية ومقاهي آمنة للجنود الأميركيين خلال العقود الماضية. لكنها اليوم، وفي ظل تصاعد التهديدات الإيرانية، باتت في نظر كثيرين، لا سيما في الداخل الإيراني، أهدافًا مشروعة للانتقام، وأصبحت تحولًا جذريًا في معادلة الأمن الإقليمي.
ففي خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدية ومباشرة، أعلن مجلس الشورى الإيراني رسميًا أن "جميع القواعد والمصالح العسكرية في دول الخليج العربي باتت مباحة لإيران في حال تصاعد التوتر". هذا الإعلان، الذي بُثّ لاحقًا عبر القنوات الرسمية الإيرانية، لم يكن مجرد تهديد عابر، بل ترجمة واضحة لعقيدة جديدة تتبناها طهران تقوم على الردع من خلال استهداف مصالح الخصوم داخل دائرة النفوذ الأميركي.
وما يُثير القلق اليوم هو أن هذه القواعد – التي طالما شكلت ركيزة في معادلة الأمن القومي لدول الخليج – تحولت من عنصر حماية إلى مصدر استهداف، بما يهدد فعليًا استقرار هذه الدول. فالدول الخليجية تجد نفسها بين المطرقة والسندان: من جهة تعتمد استراتيجياتها الأمنية بشكل كبير على الوجود الأميركي، ومن جهة أخرى تتحمّل عبء التهديدات الإيرانية التي باتت تعلن جهارًا أنها لن تفرّق بين العدو المباشر والحليف القريب.
وقد كشفت الأيام الماضية عن معضلة أخرى أكثر تعقيدًا، إذ إن محاولات بعض دول الخليج العربي في الظهور بمظهر الحياد أو عدم الانحياز في خضم هذا التصعيد لم تشفع لها أمام تلك التهديدات.
طهران لم تُبدِ أي تفريق في لهجتها بين من اختار الصمت أو النأي بالنفس، وبين من انخرط في تحالفات أمنية معلنة، وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول جدوى السياسات الحذرة في بيئة تتعامل بالرسائل النارية.
بالتوازي مع هذا المشهد المتوتر، يُلاحظ تراجع واضح في فاعلية الدور الأميركي في السياسة الخارجية للمنطقة، حيث لم تعد واشنطن تمسك بزمام المبادرة كما اعتادت. ووسط هذا الفراغ النسبي، بدأت قوى كبرى مثل الصين وروسيا في ملء الفراغ، مستعرضة نفوذًا دبلوماسيًا واقتصاديًا متزايدًا، ومعلنة - بصمت وذكاء - اقتراب نهاية سياسة القطب الواحد التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب الباردة.
كل هذه العوامل المتشابكة قد تكون بداية لتغيّر جذري في شكل الشرق الأوسط، وربما تمهيدًا لمرحلة مستقبلية لا وجود فيها لقواعد أميركية على أراضي الخليج، أو على الأقل لم يعد يُنظر إليها كحصن أمان، بل كعبء استراتيجي في ميزان التهديدات.
هل نحن أمام إعادة رسم جديدة لخارطة التوازن العسكري في الخليج؟ وهل ستتمكن دول الخليج من تأمين نفسها وسط هذا التشابك بين واشنطن وطهران؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات تظل رهينة تطورات قادمة قد لا تحمل الكثير من التهدئة حتي الآن.