” دراما الطفل ” نداء إلى المستقبل من إتحاد كتاب مصر

في زمن يشتد فيه الصخب، وتتصارع المؤثرات التي تحاصر الطفولة بين سطوة التكنولوجيا وتعدد الخطابات الإعلامية، تظل دراما الطفل هي الملاذ النقي، والفضاء الرحب الذي يفتح أمام الصغار أبواب الخيال، ويغرس في وجدانهم قيم الجمال والحرية والوعي، إذ أن الحديث عن دراما الطفل ليس حديثاً عن فن هامشي أو ترف عابر، بل هو حديث عن المصير، عن البذرة الأولى التي تُصاغ عليها ملامح الغد، وتُرسم بها خرائط الإنسان الجديد القادر على مواجهة تحديات المستقبل.
وفي هذا السياق أقامت شعبة أدب الأطفال باتحاد كتاب مصر مساء أمس الأحد ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٥، ندوتها الشهرية بعنوان "دراما الطفل"، وذلك بمقر النقابة بالزمالك، تحت رعاية الأستاذ الدكتور علاء عبد الهادي رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر والأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، وقد جاءت الندوة استثنائية في طروحاتها وحضورها، حيث اجتمع كبار المبدعين والباحثين والفنانين لمساءلة جوهر هذا الفن الرفيع، ودوره في صياغة وعي الطفل وبناء خياله.
شارك في الندوة نخبة من المبدعين، من بينهم الدكتور مختار يونس، الكاتبة والمخرجة الفلسطينية ليالي بدر، الكاتب والمخرج رضا سليمان، الفنانة إيناس نور مدير عام المسرح القومي للأطفال، الدكتور محمد جمال الدين، فيما تولى إدارة الجلسة الكاتب والشاعر الكبير عبده الزراع رئيس شعبة أدب الأطفال، كما شهدت الندوة حضور أساتذة بارزين من أعضاء الشعبة، منهم الدكتور محمد سيد عبد التواب، الدكتور حمدي سليمان، هدايت حسن، إلى جانب كوكبة من النقاد والباحثين والمهتمين بأدب الطفل وفنونه.
وخلال النقاشات تبلورت الرؤى حول أهمية أن تكون دراما الطفل فعلاً تربوياً وجمالياً في آن واحد، قادراً على صناعة إنسان يملك حس الإصغاء للخيال والقدرة على التفاعل مع الحقيقة بوعي متجدد، كما أكد المتحدثون أن مسرح الطفل ليس مجرد مشاهد تُعرض على الخشبة، بل هو فعل تأسيسي يشيد عالماً من القيم والرموز والصور الشعرية التي تبقى في وجدان الصغار حتى الكبر، كما أُشير إلى أن الوعي الدرامي للطفل لا يمكن أن يُختزل في الترفيه، بل يجب أن يتجاوز نحو بناء الشخصية الناقدة والمبدعة، المستنيرة بالقيم الإنسانية الأصيلة.
تجلت الندوة أيضاً بوصفها جسراً بين الفكر والإبداع، إذ لم تقتصر على مناقشة النظريات أو استعراض التجارب، بل طرحت أسئلة كبرى عن المستقبل، كيف نبني إنسان الغد بالكلمة والخيال والدراما؟، وكيف نعيد الاعتبار لمسرح الطفل بوصفه مؤسسة تربوية جمالية وفكرية؟، لذا فقد بدت النقاشات كأنها نداء إلى الضمير الجمعي للأمة، بأن الطفولة ليست زمناً للانتظار، بل هي الخزان الأول للنور، واللبنة التي يُبنى عليها وعي الأجيال القادمة.
لذا فقد برزت الندوة كليلة من ليالي الجمال والفكر، حيث امتزجت الرؤى النقدية بالتجارب الفنية، في حوار ثري يُعيد التأكيد أن دراما الطفل ليست مجرد فن صغير، بل هي الفن الكبير الذي به تُقاس حضارة الأمم، إذ من خلاله نتعلم أن الغد لا يُصنع إلا بالوعي، وأن الإنسان لا يُبنى إلا على الخيال والحرية والجمال.




