الموجز اليوم
الموجز اليوم

مصطفي صلاح يكتب: مصطفي عمار والشركة المتحدة..مواجهة المعتوهون فى السوشيال ميديا وحماية الوعى المصري

-

في مصر، حيث تشكل القيم الإجتماعية والثقافية أساس التفاعل بين الأفراد والمجتمع، تكشف ظواهر السوشيال ميديا الحديثة عن هشاشة بعض المساحات الرقمية وتأثيرها على الوعي الجمعي، انتشار مقاطع الفيديو والصور الحية للاحتفالات والأحداث الخاصة بالمشاهير الرقميين، والتي تحصد آلاف المشاهدات على التيك توك وغيرها، لم يعد مجرد حدث ترفيهي، بل أصبح مؤشراً على خلل في العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين ما هو عام وما هو خاص، وبين القيمة الحقيقية للإنجاز وما يُعرض على المنصات الرقمية كمعيار للجاذبية أو الشهرة.
في هذا السياق، اتخذ الكاتب الصحفي مصطفى عمار، رئيس تحرير جريدة الوطن، موقفًا عقلانيًا ومسؤولًا، معلنًا أن الجريدة لن تغطي أخبار أي نشاط اجتماعي يخص مشاهير السوشيال ميديا، ولن تتعامل مع اللايفات على التيك توك أو غيره. هذا القرار لا يهدف إلى تجاهل الواقع، بل إلى إعادة ترتيب الأولويات الصحفية، وحماية الذوق العام، والحد من تحويل الفوضى الرقمية إلى معيار يسيء للمجتمع وللصورة الثقافية لمصر.
هذا التوجه وجد دعمًا عمليًا من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي أعلنت التزام مواقعها بعدم متابعة أي نشاط إجتماعي لمشاهير السوشيال ميديا، داعية بقية المؤسسات الإعلامية للانضمام إلى هذه المبادرة.

الهدف من هذا الإلتزام هو حماية المجتمع من الانحدار الرقمي، وضبط المشهد الإعلامي، ودعم الصحفيين الملتزمين بمبادئ المهنية، الذين يركزون على الإنجاز والقيم الحقيقية بدل الضجيج والترندات العابرة.
الظاهرة التي نواجهها ليست مجرد فرح أو مقطع فيديو، بل انعكاس لهشاشة التوازن الثقافي والاجتماعي، ولغياب معايير واضحة للفضاء الرقمي.

تغطية وسائل الإعلام لهذه الأحداث باعتبارها ذات أهمية يخلق معيارًا مضللًا، ويعطي التفاهة وزنًا أكبر من الجدية، ويقلل من قيمة العمل والاجتهاد، ويجعل الفراغ النفسي والاستعراض معيارًا يُحتذى.
هنا يأتي دور نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام بشكل أساسي، ليس كسلطات رقابية تقليدية، بل كجهات مسؤولة عن حماية المجال العام من التلوث الرقمي، ومراقبة الصفحات والمواقع التي تنشر أخبار مشاهير التيك توك، لمنع تحويل الإنحراف الفردي إلى نموذج جماعي، وضمان أن الإعلام يعكس الواقع بدقة دون تشويه للوعي الجمعي أو للسلوك الاجتماعي.
الفرح والمناسبات الاجتماعية، في المجتمع المصري التقليدي، كانت تخضع لضوابط إجتماعية وأخلاقية، تحكمها القيم المشتركة، والحياء، والاعتبارات الجماعية. حين يتحول هذا الإحتفال إلى مادة رقمية تُبث بشكل متكرر عبر المنصات المفتوحة، فإننا نواجه اختبارًا لهشاشة الوعي، وانكسارًا في منظومة القيم، وفقدانًا للتمييز بين الخاص والعام، بين ما يُعاش وما يُعرض.
المشكلة لا تكمن في وجود المنصات الرقمية نفسها، بل في غياب المناعة الثقافية التي تجعل المجتمع قادرًا على امتصاص الصدمات الرقمية وإعادة ترتيبها بشكل عقلاني.

المجتمعات التي تمتلك وعيًا ثقافيًا قوية، تمتص الصدمات الرقمية، وتعيد ضبط الفوضى، بينما المجتمعات الأضعف ثقافيًا تتحول فيها الأدوات الرقمية إلى معاول هدم، ويصبح الصوت العالي معيارًا، والاستعراض البديل عن الإنجاز.
قرار مصطفى عمار يعيد للصحافة دورها كأداة عقلانية في الفرز والاختيار، ويضع مسؤولية الضبط الأخلاقي والإعلامي على عاتق المؤسسات الصحفية، بعيدًا عن تبعية الضجيج الرقمي.

دعم هذا القرار واجب لكل من يرى أن الصحافة أداة بناء، وأن المجال الرقمي بحاجة إلى ضبط واعٍ ومسؤول.
دعم الشركة المتحدة لهذا الموقف ليس مجرد تصريح إداري، بل نموذج عملي للالتزام بالقيم المهنية، ويؤكد أن الإعلام سلطة عقلانية وأخلاقية تحمي القيم المجتمعية، المبادرة تشكل دعوة لبقية المؤسسات الإعلامية للانضمام إليها، لضبط الانحدار الرقمي الذي يهدد الذوق العام ويشوّه صورة مصر الحضارية.
مصر ليست مجرد ما يُعرض على الشاشة أو المنصات الرقمية، بل هي تراكم حضاري طويل من التفاعل بين المكان والإنسان، بين النيل والصحراء، وبين الاستقرار والتجدد. .صورتها ليست لقطة عابرة، بل سردية ممتدة.. أي محاولة لاختزالها في مشاهد رقمية فوضوية هي اعتداء على وعي المجتمع قبل أن تكون إساءة لصورتها.
حماية مصر وشعبها من هذا الانحدار الرقمي ضرورة عقلانية واستراتيجية، دعم كل قرار إعلامي مسؤول مثل قرار مصطفى عمار، ومساندة مبادرة الشركة المتحدة، وتفعيل دور نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للإعلام، مع مراقبة الصفحات التي تنشر أخبار مشاهير التيك توك، هي خطوات لإعادة التوازن وإعادة الاعتبار للصحافة كسلطة عقلانية وفكرية، حماية الذوق العام وصيانة صورة الوطن هي معركة من أجل الوعي، من أجل الإنسان، ومن أجل المستقبل. ومصر، إن أرادت أن تحمي نفسها، فعليها أن تقول بوضوح: هؤلاء المعتوهون لا يمثلوننا، ولن نكون منصة لهم.