الموجز اليوم
الموجز اليوم

الخيال العلمي والصورة المرئية فى مؤتمر ”أدب الطفل”

في ظل التطورات التكنولوجية والإعلامية المتسارعة، أصبح من الضروري أن يواكب مسرح الطفل هذه التحولات ليظل فعالًا وجذابًا، في هذا السياق وضمن فاعليات مؤتمر أدب الخيال العلمي للأطفال، تأتي دراسة الدكتورة ندى طارق عبد الحميد، "الخيال العلمي والصورة المرئية في عروض مسرح الطفل المصري، دراسة تحليلية تطبيقية – 'صياد العفاريت' نموذجًا"، لتسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لدمج الخيال العلمي والصورة المرئية في عروض مسرح الطفل، وتؤكد الدراسة أن هذا الدمج ليس مجرد تحديث فني، بل هو تحول جوهري في فلسفة العرض المسرحي، يمكن للمسرح من خلاله أن يصبح أداة معرفية وتربوية حية تتناسب مع متطلبات الطفل المعاصر.

تشير الباحثة إلى أن دمج الخيال العلمي في مسرح الأطفال يوفر بيئة خصبة تتيح للطفل استكشاف أسئلة وجودية وعلمية ومستقبلية من خلال قصص وشخصيات قائمة على الدهشة والمفارقة، فالخيال العلمي بأسسه العلمية والتكنولوجية المستقبلية، يفتح آفاقًا واسعة للخيال والتفكير النقدي، أما الصورة المرئية فقد تجاوزت كونها مجرد إطار جمالي لتصبح أداة سرد فعالة، فمن خلال توظيف الإضاءة الديناميكية والخلفيات الرقمية وتقنيات خيال الظل، تتمكن الصورة المرئية من تمكين الطفل من التفاعل الحسي والعاطفي مع الفضاء المسرحي، مما يثري تجربته بشكل كبير.

اعتمدت الدراسة على منهج وصفي تحليلي مدعوم بتحليل تطبيقي لعرض "صياد العفاريت"، مع مراجعة دقيقة للمفاهيم الأساسية المتعلقة بالخيال العلمي والصورة المسرحية ومسرح الطفل، وقد شملت الدراسة عروضًا قُدمت في الفترة من 2015 إلى 2020، مع التركيز بشكل خاص على عرض "صياد العفاريت"، الذي أنتجته مؤسسة كريشين للفنون، وألفه وأخرجه الدكتور جمال ياقوت، وقُدم في عدة مسارح مصرية.

تدور أحداث مسرحية "صياد العفاريت" حول شخصية "حمادة"، الطفل المتواكل الكسول، إذ ينتقل حماده في المسرحية إلى فضاء فانتازي يلتقي فيه بشخصيات خيالية مثل العفريت "عفير" والمارد الرقمي "مرمر"، واللذين يرمزان إلى قيم سلبية مثل الجهل والاعتماد الأعمى على التكنولوجيا، وعبر هذه اللقاءات، يخوض حمادة رحلة اكتشاف ذاتي تغير وعيه تجاه قيمة العمل والاجتهاد، ليُدرك في النهاية أن النجاح يُحقق بالعلم والمثابرة، وليس بالحظ.

لقد تميز عرض "صياد العفاريت" بالتوظيف المتقن لعناصر الصورة المرئية، وساعدت الإضاءة في خلق أجواء متنوعة من الغموض والدهشة، بينما لعبت الخلفيات الرقمية دورًا حيويًا في نقل الطفل المتفرج بين أماكن متعددة بسلاسة ودون الحاجة لتغييرات مادية معقدة، مما وفر إيقاعًا بصريًا سريعًا يتناسب مع إدراك الأطفال، كما استخدم خيال الظل لإضفاء طابع أسطوري واستحضار البعد التراثي، ما منح العرض بُعدًا بصريًا رمزيًا يثير الخيال والفضول.

ما يميز هذه التجربة المسرحية هو قدرتها على دمج مفاهيم علمية حديثة مثل الذكاء الاصطناعي والعوالم الرقمية ضمن سياق درامي تربوي محكم، إذ لم تكن الرسالة التربوية مباشرة، بل تم تمريرها من خلال الرحلة الداخلية لشخصية "حمادة"، والتي جسدت تحولًا في الوعي من التواكل إلى المسؤولية، ومن الاتكالية إلى السعي والجهد، كما أظهر التحليل أن المسرحية نجحت ببراعة في مزج التراث الشعبي المصري (مثل ألف ليلة وليلة والمصباح السحري) مع المفاهيم الرقمية الحديثة، وهذا الدمج لم يكن شكليًا، بل ساعد الأطفال على ربط خيالهم الثقافي بالمعطيات المعاصرة لعالمهم، محققًا توازنًا بين الهوية الثقافية والتطور التكنولوجي، وهو ما تعتبره الباحثة هدفًا أساسيًا لمسرح الطفل المعاصر.

كما قدم العرض رؤية بصرية متكاملة، حيث صُمم الديكور بعناية بواسطة الدكتور محمود سامي، وتم توظيف الشاشات الرقمية والخلفيات المتحركة كأدوات مسرحية مركزية، فعلى سبيل المثال تحول "العالم الرقمي" في مشاهد المارد "مرمر" إلى فضاء مليء بالرموز الإلكترونية والخطوط الضوئية، مما خلق بيئة تكنولوجية محسوسة تتكامل مع الأداء التمثيلي والموسيقى والاستعراضات، لتشكل عرضًا متعدد الحواس.

توصلت الدراسة إلى أن توظيف الخيال العلمي في مسرح الطفل يسهم بفاعلية في تنمية التفكير الإبداعي والنقدي لدى الأطفال، ويُمكنهم من فهم مفاهيم علمية معقدة من خلال حبكة درامية شيقة، كما أن استخدام الصورة المرئية وتقنياتها المتنوعة يعزز الرسائل التربوية بجعل المفاهيم المجردة قابلة للرؤية والفهم، وتؤكد الباحثة أن نجاح هذه التجربة يعود إلى التكامل بين عناصر المسرح، حيث لم تكن التقنيات الحديثة مجرد إضافة، بل جاءت في خدمة النص والأداء والرسالة التربوية، كما عملت الشخصيات الخيالية كمرايا رمزية تكشف عيوبًا وسلوكيات سلبية لدى الطفل، وتدفعه نحو التغيير من خلال التعاطف والتأمل.

تختتم الدراسة بتوصيات عملية، منها أهمية تعميم نماذج مثل "صياد العفاريت" في مسارح الطفل العربية، وتشجيع المخرجين على استلهام الخيال العلمي كأداة معرفية تربوية تساهم في بناء جيل واعٍ ومبتكر.