الموجز اليوم
الموجز اليوم

حمدية عبد الغنى تكتب: نور الشريف..المثقف الذى صاغ الوجدان المصرى بعدسة الفن

في مثل هذا اليوم، الحادي عشر من أغسطس، يطل علينا طيف فنان لم يكن مجرد ممثل يؤدى أدوارا على الشاشة، بل كان مفكرا ومثقفا ومبدعا آمن بأن الفن رسالة، وبأن الشاشة وسيلة لتغيير الوعى لا مجرد وسيلة للترفيه.
نور الشريف، إسم لا يمر مرور الكرام في تاريخ الفن العربى، بل يكتب بحروف من نور في سجل من أسهموا في تشكيل وجدان الشعوب.

ولد محمد جابر محمد عبد الله، والذي عرف بإسم "نور الشريف"، في 28 أبريل 1946، ونشأ في بيئة شعبية مصرية بسيطة، لكنها كانت حافزا لروحه الطامحة نحو المعرفة والفن .
تخرج من المعهد العالى للفنون المسرحية بتفوق، وبدأ يشق طريقه في عالم التمثيل بخطوات واثقة، مستندا إلى ثقافة واسعة، ووعى إجتماعى عميق، وموهبة لا تعرف التكرار.

لم يكن نور الشريف يبحث عن البطولة السهلة أو الشهرة العارضة، بل إختار أصعب الطرق: أن يكون صوت الإنسان العادى، ونبض الوطن في لحظاته الكبرى.
تألق في أفلام تعد من علامات السينما المصرية والعربية، مثل:

"الكرنك" الذى يمثل مواجهة القمع وسطوة السلطة.

"العار" و"جري الوحوش" هما رحلة النفس البشرية في صراعاتها الأخلاقية.

كان دوما يختار أدوارا تمس هموم الناس، وتحاكي واقعهم، وتطرح تساؤلات جريئة حول السلطة، والعدالة، والفساد، والهوية.

في عالم الدراما التلفزيونية، حفر نور الشريف إسمه في قلوب ملايين المشاهدين عبر أعمال أصبحت من كلاسيكيات الشاشة:

"لن أعيش في جلباب أبى" الذى يعد أحد أشهر المسلسلات في تاريخ الدراما العربية، حيث قدم نموذج الأب العصامى المكافح.

"عمر بن عبد العزيز "حيث اجتمع الفن بالإيمان والتاريخ والعدل، وهو مسلسل قادرعلى أن يبث الطمأنينه فى نفوس كل من يشاهده.

"حضرة المتهم أبى" و"الرجل الآخر" أعمال تؤكد التزامه بتقديم دراما هادفة ترتقى بالمشاهد.

ما ميز نور الشريف عن كثيرين غيره، هو أنه كان مثقفا حقيقيا، قارئا نهما، ومهتما بالسياسة والفكر والمجتمع، يناقش تفاصيل الواقع كما يناقش تفاصيل الشخصية.. لم يكن أسير "النجومية" السطحية، بل كان ناقدا ومشاركا في قضايا وطنه، فى الفن وخارجه.

شارك في لجان تحكيم دولية، ودافع دائما عن السينما النظيفة، ورفض أن يكون الفن أداة للتفاهة أو الابتذال، بل أصر على أن يظل الفن وسيلة للتنوير والتغيير.

في 11 أغسطس 2015، ترجل فارس الفن عن صهوة الحياة، بعد معركة مع المرض.. لكنه ترك لنا تراثا فنيا ضخما، لا يزال حيا يعرض ويتصدر المشهد حتى اليوم، رغم زخم الإنتاج وتغير الأجيال.. لأن الفن الصادق، والمبنى على الثقافة والموهبة، لا يعرف زمنا ولا حدودا.

لم يكن نور الشريف مجرد نجم سينمائى أو بطل درامى، بل كان مدرسة فنية وإنسانية..مدرسة آمنت بأن الموهبة لا تكفى، وأن على الفنان أن يكون ضميرا مجتمعيا، وأن يضع مسؤوليته تجاه مجتمعه فوق حسابات السوق.

في ذكراه، لا نرثيه فقط، بل نحتفى به.. نحتفى بفنان آمن بأن الفن أداة للوعى، وبإنسان عاش من أجل أن يرى الناس أنفسهم على الشاشة، في أبهى صورة وأكثرها صدقا.