الموجز اليوم
الموجز اليوم
أشرف زكي..ضيف برنامج ”فضفضت أوى ” مع معتز التوني غدا 9نوفمبر ..إنطلاق ملتقى ”الذكاء الاصطناعي والهوية الثقافية ” بمكتبة القاهرة الكبرى مصطفى صلاح يكتب: لمى الصباح ..الوعى الجمالى كقوة حضارية البرلمان العربى يختتم اجتماعات لجانه بالقاهرة تحضيرا لجلسته العامة الأولى المقرر عقدها الخميس المقبل بالجامعة العربية أبو ظبى تستضيف لأول مرة ”مهرجان الموسيقي العربيةال33 بمشاركة نجوم الطرب العربى إنطلاق منتدى الخريجين فى ”موسكو ” بمشاركة مصرية مهرجان القاهرة الدولى للطفل العربي يكرم الفنان ”يحيى الفخرانى” أسعار العملات مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 27-10-2025 تراجع الجنيه الإسترليني أمام الجنيه المصري في البنوك اليوم الثلاثاء 28-10-2025 استقرار أسعار الحديد في مصر اليوم الثلاثاء 28 – 10 – 2025 وسط توقعات بتحرك طفيف تراجع أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 فوز بلال الملاح..بعضوية مجلس إدارة غرفة صناعة السينما لدورة 2025 : 2029

مصطفى صلاح يكتب: لمى الصباح ..الوعى الجمالى كقوة حضارية

تطل لمى الصبّاح على المشهد العربي لا كمخرجة ومنتجة عابرة، بل كظاهرة فكرية في هيئة فنية، وكموقف حضاري في صورة إبداعية. فهي تدرك أن الصورة ليست شكلاً بصريًا وحسب، بل خطاب ثقافي، وأن الدراما ليست انعكاسًا للواقع، بل أداة لتشكيله وإعادة تعريفه.

الفن في رؤيتها ليس لهوًا، بل مسؤولية، ليس غاية للفرجة، بل وسيلة للفهم، وهي تنتمي إلى القلة التي ترى في الإبداع فعلًا معرفيًا، يُنقّب عن جوهر الإنسان لا عن مظهره، ويستخرج من الواقع وعيًا أعمق بما هو قائم. في كل مشروعٍ لها، تسعى لمى الصبّاح إلى أن تُعيد بناء العلاقة بين الفن والحقيقة، بين الصورة والضمير، وبين الجمال والمعنى.

ترى أن المخرج ليس مجرد مصوّر، بل عقلٌ مفكر في هيئة فنان، وأن المنتج الواعي هو شريك في صناعة الوعي قبل أن يكون ممولًا للمشهد. فحين تغيب الفكرة، تتحول الصورة إلى فراغ بصري، وحين يغيب الوعي، يصير الفن زينةً بلا جوهر. لذلك تتعامل مع الكاميرا كما يتعامل المفكر مع قلمه؛ أداةً لإعادة ترتيب العالم وفق ميزان المعنى.

في تصورها، الدراما هي التاريخ الموازي للمجتمعات، تكتب ما يغفل المؤرخون عنه، وتكشف ما يُخفيه السياسيون، وتوثق ما يُمحى من ذاكرة الشعوب، وهي تؤمن أن الفن الجاد ليس ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية الهوية من التآكل، لأن الوعي الجمالي هو الدرع الأعمق في معركة البقاء الثقافي.

لمى الصبّاح ترى أن المرأة في الدراما ليست زينة سردية بل محور الوعي الاجتماعي. فهي مرآة الأمة ومؤشر توازنها، ومن خلال صورتها يُقاس مستوى النضج الحضاري للمجتمع. لذلك تحرص على أن تكون المرأة في أعمالها ذات حضورٍ فاعل، لا كائنًا يُعرض، بل كائنٍ يُفكّر، لا موضوعًا للفرجة بل فاعلًا في التغيير.
إنها تُعيد للأنثى موقعها الحقيقي كرمزٍ للإنسانية، وكعنصرٍ مُنتج للوعي لا تابعٍ له، لأن تحرير الصورة النسائية هو في جوهره تحريرٌ لوعي المجتمع بذاته.

أما الوطن، فيحضر في أعمالها لا كخلفيةٍ للأحداث، بل كبنيةٍ فكرية تسكن كل مشهد. الوطن عندها ليس قطعة أرض، بل فكرةٌ شاملة تَجمع اللغة والذاكرة والمصير. الوطن هو القيمة التي تمنح الصورة معناها، والهوية التي تَشدّ الخيط السري بين الفنان والجمهور.
لهذا تبدو درامتها مشبعة برائحة المكان العربي: من شوارع القاهرة إلى أزقة بيروت، ومن نبض دمشق إلى صدى فلسطين. في كل مشهدٍ من أعمالها إشارةٌ إلى الجذر، إلى العروبة كحالة ووعي، لا كشعارٍ سياسي عابر.

وتؤمن لمى الصبّاح أن الفن لا يكتمل إلا بجرعةٍ من الوجع، لأن الصورة التي لا تَمسّ الوجدان تبقى سطحًا بلا عمق، وهي ترى أن مهمة المخرج ليست فقط نقل الواقع، بل تحليلُه وتشريحه وإعادة صياغته بلغةٍ تُوقظ الفكر.
الفن عندها ليس ترفيهًا، بل كشف، والدراما ليست رواية أحداثٍ متتابعة، بل إعادة إنتاجٍ للوعي الجمعي في لحظةٍ بصريةٍ مكثّفة.

باتت الدراما العربية أسيرة السوق والسرعة، بينما اختارت لمى الصبّاح طريق المقاومة الهادئة. تقاوم السطحية بالمعنى، والتكرار بالإبداع، والضجيج بالصمت الذي يفكر. في كل عملٍ لها تَبرز محاولة لإحياء القيمة وسط الانحدار، لتقول إن الفن لا يُقاس بالانتشار، بل بالأثر، وإن الصورة العميقة لا تُنسى لأنها تُعيد ترتيب النفس من الداخل.

ترى أن النجاح الحقيقي ليس في نسبة المشاهدة، بل في درجة الوعي التي تتركها الصورة في المتلقي. فالمشهد الذي يوقظ العقل أهم من المشهد الذي يسرّ العين، والفن الذي يُقلق الفكر أصدق من الفن الذي يُرضي الذوق.
إنها تنتمي إلى مدرسةٍ ترى الفن كقوة تغييرٍ لا كأداة استهلاك، وكصوتٍ نقديٍ في وجه الانحدار، وكوسيلةٍ لقراءة الذات الجماعية في مرآة الوعي.

وفي تحليل تجربتها، يمكن القول إن لمى الصبّاح تُجسّد مفهوم "الفنان المفكر"، فهي لا تُخرج أعمالًا درامية بقدر ما تُنتج رؤى فكرية في هيئة مشاهد. إنها تنقل الفن من مستوى التسلية إلى مستوى الوعي، وتجعل من الصورة وسيلةً لفهم التاريخ، ومن الدراما معملًا للهوية.

هي بذلك لا تمثل مجرد حضورٍ فني، بل نموذجًا لمثقفٍ عربي يَستخدم أدوات الفن لصياغة خطابٍ معرفيٍّ جديد، يُعيد تعريف العلاقة بين الفن والمجتمع، بين الإنسان ومصيره.
تمارس لمى الصبّاح نوعًا من "الممانعة الجمالية"، إذ تُصرّ على أن الفن لا يُقاس بما يُقال عنه، بل بما يَصنعه في العقول بعد انطفاء الأضواء.

إن تجربتها تعيد إلى الأذهان المعنى العميق للثقافة العربية حين تكون رسالةً ووعيًا، لا زينةً لغوية أو شكلًا إعلاميًا.. فهي ترى الصورة كوثيقة، والمشهد كدليل، والفن كوعيٍ يسبق الفعل السياسي والاجتماعي، لا يتبعه.
بهذا المعنى، تُمثل لمى الصبّاح أحد الأصوات النادرة التي تُعيد للفن مكانته كقوةٍ حضارية، لا كترفٍ ثقافي.. إنها تؤمن أن الكاميرا يمكن أن تكون عقلًا بصريًا، وأن الإخراج ليس مهنةً فنية بل مسؤولية فكرية.

ولعل جوهر تجربتها يُختصر في معادلةٍ حمدانية دقيقة:
الفن عند لمى الصبّاح ليس ظلّ الحياة، بل ضوءها؛ ليس انعكاس الواقع، بل ارتقاؤه إلى وعيٍ أعلى.