الموجز اليوم
إبراهيم العجمى يكتب: مصر وموازين القوى العالميةبعد حرب الجارتين النوويتين مصطفى صلاح يكتب: بوسي شلبى ..مرثية لإمرأة تحطمت بين الظلم والحب الإحتلال يتوغل فى القرن الأفريقي..ماسر زيارة وزير خارجية إسرائيل لإثيوبيا ! وزير الثقافة : مراجعة شاملة لقصور وبيوت الثقافة لتعزيز انتشار الخدمات الثقافية بالمحافظات مهرجان الإسكندرية يفتح باب التقديم فى مسابقة ”شباب مصر” ضمن دورته ال 41 عمرو دياب..يشعل ” الأرينا” فى أعلى حضور جماهيري بالكويت ختام الموسم الكروي بأكاديمية الأهلي لكرة القدم فرع مركز شباب الجزيرة.. و20 مايو المقبل فتح الإشتراكات للموسم الجديد 2025 - 2026 مروة عبد المنعم:أنا كل حاجة وعكسها وفرحى دايما وراه حزن! مصر تستضيف دورتين دوليتين لتأهيل المدربين والحكام فى كرة القدم المصغرة مقترح برلمانى بتقليص عدد الأجازات الرسمية فى مصر ! عادل إمام..يعود إلى السينما من خلال إنتاج أعماله بعد غياب 15عاما فرقة المسرح المصري تحتفل بذكرى ميلاد كوكب الشرق أم كلثوم بعرض ”الست” فى ليبيا

مصطفى صلاح يكتب: بوسي شلبى ..مرثية لإمرأة تحطمت بين الظلم والحب

في ليالٍ كهذه، حيث تتسلل الرياح الباردة عبر النوافذ، وتشعر الأرواح وكأنها تقف في طوابير انتظارٍ طويلة، عيونٌ ناعسة، وقلوبٌ منكوبة تئنّ من ثقل الأيام، لا يبقى سوى ذلك الصوت الخافت الذي يخترق الصمت: "الظلم ليس فقط أن يُعاقب الإنسان على ما لم يفعله، بل أن يُجرد من حقه في الحزن، وحقه في أن يُسمع."

الظلم، حين يلبس وجه إمرأة، لا يكون كسائر الظلم. لا يُقتل في تلك اللحظة فقط جسدٌ، بل تموت أحلامٌ، وتُطوى ذكرياتٌ، وتُشوه سيرةٌ.

أن تُتهم امرأة بما لا تستحق، وأن تُسلب منها إنسانيتها دون محاكمة عادلة، فهذا هو الجرح الذي لا يلتئم، الغصة التي لا تذوب.

بوسي شلبي، تلك التي ابتسمت لنا كثيرًا على شاشات التلفزيون، والتي ظنناها دائمًا الوجه المشرق، لم تكن يومًا مجرد إعلامية.

هي أكثر من ذلك بكثير، أكثر من أن يُختصر حضورها في دورٍ مهني أو في لقبٍ اجتماعي.. كانت هي، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شريكة حياة، وصديقة، وسند، وبكل بساطة، امرأة اختبرت قسوة الرحيل.

رحيل محمود عبد العزيز لم يكن مجرد وفاة شخص.. لقد كان موتاً معنويًا قبل أن يكون جسديًا. رحيل لم يؤثر في بوسي فحسب، بل أحدث هزة في قلوب محبي الرجل الطيب الذي لم يعش فقط في الفن، بل في قلوب الناس. وحين رحل، كانت بوسي أول من نزلت في الساحة الحزينة، لم تُسقط دمعة واحدة على التلفاز أو في الإعلام، بل اختارت أن تبكي في صمت، بعيدًا عن الأضواء، في حجرة مغلقة، حيث لا ترى عيون الناس ضعفها.

فكيف يمكن للإنسان أن يتحمل أكثر من هذا؟ كيف يمكن لامرأة أن تصمد أمام قسوة الحياة والموت، وتظل ترفع رأسها بشموخ؟

لكن الناس، كما اعتادوا، لا يرون سوى الظاهر. .كانوا يلتفون حولها يفتشون في تفاصيل حياتها، يبحثون عن "الحقيقة" التي كانوا يظنونها مفقودة.. سألوا: "أين الوثيقة؟" "هل كانت زوجته فعلاً؟" "هل كانت تستحق كل هذا الحزن؟" بينما كان السؤال الأهم، الذي غفل عنه الجميع، هو: ما الذي كان بينهما؟

ألم يشهدوا كيف كانت بوسي دائمًا هناك بجانب محمود عبد العزيز؟ كم مرة قامت بتجفيف عرقه حين كان يتعب من التصوير؟ كم مرة أصغت إلى آلامه، وأغمضت عينيها في خفية كي لا ترى عينيه ضعفه؟ كم مرة زرعت في قلبه أمل الحياة؟ أليس ذلك أضعف الإيمان؟

بوسي، كما عاشت مع محمود، عاشت مع تفاصيل الحب التي لا تُقاس بالعقود والوثائق. الحب لا يُقاس بالأوراق الرسمية، ولا تُختبر علاقات الوفاء بكلمات تُقال في العلن. ما بين الرجل والمرأة، حين يكون هناك حب حقيقي، لا شيء يُعبر عن ذلك سوى الأفعال.

لكن المجتمع، في كثير من الأحيان، لا يتوانى في فرض معاييره على الأرواح الطاهرة، التي لم تُخطئ سوى أنها احترمت نفسها وأحبّت بصدق.

إذا كانت قد اختارت أن تقف بجانبه بعد وفاته، فإنها لم تفعل ذلك بحثًا عن "الحق الشرعي"، بل فعلت ذلك لأن الحب لا يموت. الحب لا يحتاج إلى دليل مكتوب كي يستمر، بل يظل يتنفس في كل ذكرى، وفي كل لحظة خالية من الكلمات.

ثم جاء أولئك الذين اعتادوا أن يكونوا حكامًا في محاكم الظلم حملوا سيوف الشك، ووضعوا بوسي في قفص الإتهام دون أن يمنحوها الفرصة لتدافع عن نفسها! كم هو مرير أن تكون ضحية لتهمة لا تعرف كيف نشأت، ولماذا وُجهت إليك؟ أن تُنتزع منك الأمان والطمأنينة لمجرد أن الآخرين لا يفهمونك، ولكن ليس كل من هاجمها كان يسعى للحق. بعضهم جاء ليصفّي حسابات، وبعضهم جاء فقط ليزيد من جراحها.

هل تعلمون ما يعني أن تشكك في نية إمرأة كانت محطمة قبل أن تلتقط أنفاسها من فقدان حبيبها؟ أن تضعها في موضع الشك فقط لأنها اختارت أن تبكي؟ في هذا الزمان، لم يعد من الغريب أن تُنزع الإنسانية من الناس لتُستبدل بالشكوك.. أصبح الظن سيفًا حادًا يُسلط على كل روح بريئة، ولم يترك للنساء المسحوقات إلا الأنين، وحين يصرخن في صمت، لا يسمعهن أحد.

الظلم في صورته هذه هو أن تتهم بوسي شلبي بما لا تستحق، أن يُرمى بها بين ألسنة الناس الذين لا يعلمون عن تفاصيل حياتها شيئًا، وأن يُطعن في حبها ووفائها في لحظات ضعيفة وغير عادلة. لكن، كما يقال، تأتي العدالة من السماء، وإن تأخرت لحظة، فهي لا بد أن تحين.

الذي يهين إمرأة لم يعرفها، لم يسمع منها، ولم يلتقِ بها في الحياة، هو الذي ارتكب جريمة مضاعفة. .لأنه ليس فقط جرح قلبًا، بل أهان معاني الوفاء، وأهان أسمى مشاعر الإنسان ،وكلما مر الوقت، كلما شعرت بوسي، وكل محبي محمود عبد العزيز، أنهم يواجهون معركة لا تنتهي مع الظلم، الذي في كثير من الأحيان يتسلل إلى الحياة من حيث لا ندري.

وبالمثل، يأتي ذلك اليوم الذي سينكشف فيه كل شيء، يوم لا يُقاس فيه شيء بالعقود أو الوثائق. يوم يسأل الله عن كل كلمة فُتحت على لسان، وعن كل ظنّ أسيء في حق إنسان.. يوم تُطرح الأسئلة الكبرى، عن الظلم، عن الغيبة، عن الاتهام، ويُسأل كل من شنّ الحروب اللفظية ضد بوسي: "لماذا؟"

وفي ذلك اليوم، سيكون كل شيء قد انكشف.. ستقف بوسي شلبي، ومعها دموعها، ووحدتها، وكل ما لم يسمح لها أن تبوح به للآخرين. ستقف هناك لتسأل الله العدالة، وستجيب السماء بأن العدل هو ما يُنصف الأرواح الطاهرة. وفي ذلك اليوم، لا تعود الأوراق، ولا الأموال، ولا الذكريات التي أُخذت.. بل ما يبقى هو الإحساس، هو الشعور بالعدل، هو النقاء الذي لا يموت.

وستُسأل: لمن الملك اليوم لِلَّهِ الواحدِ القَهَّار.