حمدية عبد الغنى تكتب: محمد رمضان بين الوهم والحقيقة..كيف خدع جمهوره من داخل حفلة كلاب بأمريكا؟

في مشهد لم يعد غريبا على الفنان محمد رمضان، ظهر مؤخرا متباهيا بحضوره لما وصفه بـ"دعوة من عائلة ترامب"، موحيا لجمهوره بأنه أصبح وجها عالميا يمثل مصر وأفريقيا في أروقة السياسة الأمريكية.
لكن الحقيقة، كعادتها، كانت أكثر بساطة من روايته الدرامية.
الحفل الذي حضره رمضان نظم لجمع التبرعات لدعم كلاب الشوارع، وأقامته لارا ترامب، زوجة نجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي ناشطة فى مجال حقوق الحيوان.
سعر التذكرة كان 1000 دولار، ولمن أراد التقاط صورة تذكارية مع "السيدة ترامب" فعليه دفع 3500 دولار إضافية.
رمضان لم يكن ضيف شرف، ولا شخصية مكرمة، بل كان ببساطة: أحد الحاضرين الذين دفعوا ثمن الصورة.
وقد تكررت هذه الحيلة سابقا، حين ظهر أحد نجوم مسلسل "La Casa de Papel" في مقطع فيديو يشيد برمضان، ليتبين لاحقا أن الفيديو مدفوع عبر تطبيق يتيح شراء رسائل من المشاهير.
لكن ما يجب الوقوف عنده هنا ليس فقط الكذب الإعلامي المفضوح، بل نوعية الفن الذي يقدمه محمد رمضان، وتأثيره المباشر على وعى وسلوك الأجيال الجديدة.
منذ سنوات، يقدم رمضان نمطا متكررا في أغلب أعماله الفنية: شاب قادم من بيئة شعبية، يدخل في صراعات دامية، يتعامل بالعنف، يواجه خصومه خارج القانون، وفي النهاية ينجو، ويكافأ، ويصبح رمزا شعبيا.
إنها وصفة درامية مربحة لمن يسعى للكسب لا للتأثير ، لكنها تحمل فى طياتها رسائل شديدة الخطورة.
في ظل غياب نماذج إيجابية على الساحة الفنية، يتحول "البلطجى المتأنق" إلى قدوة، ويتحول "النجاح السريع بأى وسيلة" إلى حلم مشروع.
المراهق اليوم لا يرى في الطبيب أو المعلم أو المهندس رمزا للنجاح، بل يرى في "رفاعى الدسوقي" و"موسى" و"زلزال" قدوته الجديدة: شاب يضرب، يقتل، يتجاوز القانون، ثم يصبح غنيا وناجحا ومشهورا.
هذه الصورة المشوهة تزرع في الأذهان مفاهيم مغلوطة:
أن العنف رجولة، أن القانون يمكن تجاوزه بالقوة ،وأن الشهرة تبرر كل شىء.
المشكلة لا تكمن في رمضان وحده، بل في منظومة كاملة سمحت له بالوصول إلى هذا المستوى من التأثير:
إعلام يروج للتفاهة،وشركات إنتاج تبحث عن الربح السريع،ومنصات تسلط الضوء على الضجيج لا القيمة.
والأخطر من ذلك، جمهور يصفق دون أن يفكر، ويتابع دون أن يدرك أنه يستهلك سما فنيا مغلفا ببريق زائف.
السؤال الجوهرى: من الذي صنع "نمبر وان"؟
هل هو رمضان نفسه؟ أم الإعلام؟ أم الجمهور؟
الحقيقة أن الجميع شريك..نحن الذين سمحنا لفنان أن يطلق هذا اللقب على نفسه،وتركناه يصدق أنه بالفعل "نمبر وان"، بينما هو في الحقيقة "نمبر زيرو" على مقياس التأثير والقيمة.
رفعناه إلى القمة رغم أن ما يقدمه لا يتجاوز الضجيج، وروجنا لأعماله رغم خوائها، وتجاهلنا المواهب الحقيقية لأنها لا تثير الجدل ولا تلبس ذهبا أو بدلة رقص على المسرح.
الفن رسالة..الفن وعى .. الفن مسؤولية،وحين يتحول الفنان إلى تاجر شهرة، والمشاهد إلى مستهلك بلا وعى، والمجتمع إلى جمهور يطبل للزيف...نكون جميعا قد خسرنا شيئا أعمق من الذوق: خسرنا البوصلة الأخلاقية.
