الناقد الفنى د.محمد عبد الله يكتب: أنواع المعرفة بين الثابت والمتغير

في عالم الفكر والمعرفة، ليست كل المجالات سواء. فبعضها يقوم على قوانين علمية صارمة قابلة للتكرار، وبعضها يعتمد على التأويل والاجتهاد، وبعضها الآخر يعتمد على الانطباع والمزاج والتسويق.
أولًا: - العلوم الثابتة (Sciences with Proven Laws)
وهي علوم تعتمد على التجربة، والتحليل، والقياس، وتنتج عنها نظريات وقوانين قابلة للتكرار، تُدرَّس وتُختبَر وتُطبق. مثل:
• الطب – تشخيصات مبنية على أدلة سريرية.
• الهندسة – نتائجها مضمونة متى التُزم بالقانون العلمي.
• الصيدلة – علم تركيب الدواء وتفاعلاته.
• القانون (الحقوق) – نصوص واضحة، تفسيرات مضبوطة، وإجراءات رسمية.
• التجارة – تحليل الأسواق، محاسبة، إدارة مالية.
• العلوم الطبيعية – الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات.
• الموسيقى – علم حقيقي قائم على نظريات دقيقة في الإيقاع، الهارموني، التحليل، التوزيع، الأداء، وله مناهج جامعية واختبارات دقيقة كأي علم تطبيقي آخر.
ثانيًا: - العلوم الإنسانية والاجتماعية (Soft Sciences)
تركز على الإنسان والمجتمع، ونتائجها ليست حتمية. من سماتها:
• اختلاف النتائج بتغيّر الظروف والبيئات.
• تعدد وجهات النظر والمدارس الفكرية.
• غلبة التفسير والاجتهاد على البرهان القاطع.
ومن أمثلتها:
• علم النفس
• علم الاجتماع
• السياسة
• الأدب
• الخدمة الاجتماعية
ومع ذلك… هناك من يحاول أن يُحوِّل هذه العلوم إلى قواعد مطلقة!
فتجده يقول: “إذا تعرّضت للتعالي، افعل كذا… إذا استفزك شخص، قل له كذا… إذا فعل زوجك كذا، تجاهليه فورًا…”
وهنا يقع الخلط بين الرأي الشخصي والحقيقة العلمية.
فما يصلح لشخص قد لا يصلح لغيره، وما يُعتبر حلًا في بيئة قد يُعدّ أزمة في أخرى.
إنها اجتهادات فردية وليست قواعد علمية، ومن الخطأ فرضها كأنها نتائج ثابتة لا تقبل النقاش.
ثالثًا: - المجالات المستحدثة (Pseudo-sciences أو Trendy Fields)
وهي مجالات حديثة تعاني من غياب الأساس العلمي الدقيق، مثل:
• التنمية البشرية
• الكوتشينج
• الطاقة الإيجابية
• الذكاء العاطفي
• لغة الجسد
بعضها له قيمة إذا قُدّم بأسلوب علمي ومنهجي، لكن معظمها يقوم على الإقناع النفسي، ويعتمد على “اللغة العامة” و”التجربة الشخصية”، وليس على قواعد أو أبحاث قابلة للتكرار والقياس.
في النهاية :-
في عالم المعرفة، ليس كل ما يُقال “علمًا”، ولا كل رأي “حقيقة”.
فالعلم يُبنى على التجربة والدليل، بينما الرأي يُبنى على الخبرة والانطباع.
والحكيم من يُفرّق بين قانون ثابت… وبين نصيحة شخصية قابلة للخطأ.