تصريحات الحكومة حول الخروج من الأزمة..مازال التضليل الاقتصادي مستمرا

في الوقت الذي يطل فيه علينا رئيس الوزراء بتصريحات تفيد بأن مصر "خرجت من أزمتها الاقتصادية"، خرج وزير المالية المصري السابق وممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، الدكتور محمد معيط، عبر شاشة قناة إكسترا نيوز، ليكرر ما يمكن وصفه بثلاث مغالطات اقتصادية فادحة، يبرر بها المسار الاقتصادي المأزوم، ويدافع عن وصفات صندوق النقد الدولي، متجاهلًا آثارها السلبية على حياة ملايين المصريين.
المغالطة الأولى: "مصر تحقق فائضًا أوليًا بنسبة 3.5%"
ادّعى معيط أن تحقيق هذا الفائض يعني أن "إيرادات الدولة أكبر من مصروفاتها". ولكن الحقيقة التي يغفلها الوزير السابق، أن هذا الفائض يُحسب دون احتساب فوائد الديون، أي أنه لا يعكس الصورة الكاملة للعجز الحقيقي في الموازنة.
فبحسب مشروع موازنة العام المالي 2025/2026، تبلغ إجمالي الاستخدامات (المصروفات + أقساط الدين) 6.76 تريليون جنيه، بينما تصل الإيرادات المتوقعة إلى 3.1 تريليون جنيه، بعجز فعلي يتجاوز 3.66 تريليون جنيه.
هذا "الفائض" المزعوم تحقق عبر تقليص بنود الإنفاق الضرورية للمواطن، مثل الأجور، والاستثمارات العامة، وشراء السلع والخدمات، وكلها ضرورية لضمان حياة كريمة، لكنه تحقق لصالح خدمة الدين، مما يجعلنا أمام فائض مالي على الورق، وعجز إنساني في الواقع.
المغالطة الثانية: "ارتفاع الفوائد سببه التضخم وليس الديون"
يدّعي معيط أن الفوائد المرتفعة سببها التضخم، متناسيًا أو متجاهلًا أن السبب الرئيسي هو التوسع المفرط في الاقتراض.
فمنذ عام 2014 وحتى نهاية 2024، ارتفع الدين الخارجي من 46.1 مليار دولار إلى 155.1 مليار دولار، بنسبة زيادة تقارب 236.4%، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
أما الإنفاق على خدمة الدين، فقد ارتفع من 280 مليار جنيه في موازنة 2013/2014، إلى ما يُتوقع أن يبلغ 4.3 تريليون جنيه في موازنة 2025/2026، بزيادة تفوق 1400%.
وهذا كله يحدث في ظل تدهور قيمة العملة الوطنية، من 7.1 جنيه للدولار في 2014، إلى 50 جنيهًا في 2025، ما فاقم من أعباء الدين الخارجي، وأدى إلى انفجار معدلات التضخم.
المغالطة الثالثة: "صندوق النقد أصبح يهتم بالفقراء"
قال معيط إن صندوق النقد الدولي صار في السنوات الأخيرة يراعي آثار سياساته على معدلات الفقر، لكن الواقع لا يدعم هذا الادعاء.
فكل برامج الصندوق في مصر تضمنت شروطًا قاسية، أبرزها تعويم الجنيه، ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وتقليص الإنفاق الاجتماعي.
وقد ارتفعت نسبة الفقر رسميًا إلى 32.5% وفق بيانات الحكومة للبنك الدولي عام 2022، مقارنة بـ29.7% فقط قبل ثلاث سنوات.
ولا تعكس هذه النسبة حتى الآن آثار الأزمة المتصاعدة منذ 2022، والتي ترافقت مع قروض جديدة، وتعويم إضافي للجنيه في مارس 2024، مقابل قرض جديد بقيمة 8 مليارات دولار من الصندوق.
وتتجلى آثار ذلك بوضوح في عجز الميزان التجاري، الذي بلغ 49.9 مليار دولار عام 2024، وسط اعتماد شبه كلي على الاستيراد في السلع الأساسية، ما يزيد من الضغط على الأسعار، ويؤدي إلى تفاقم التضخم.
لقد آن الأوان لأن نتوقف عن تزييف وعي الناس بالأرقام، وأن نعترف بأن الاستمرار في هذا النهج لن يؤدي سوى إلى مزيد من المعاناة.
إن السياسات الاقتصادية يجب أن تُقاس بمدى انعكاسها على حياة المواطن، لا بحجم القروض أو بالأرقام المجتزأة.
وإذا كانت الحكومة ترى أننا "خرجنا من الأزمة"، فعلى من يشعر بالغلاء وانسداد الأفق أن يراجع شعوره… لا أن يصدق ما يُقال على الشاشات.