الموجز اليوم
الموجز اليوم

”النيل وتشكيل الهوية المصرية ” مائدة مستديرة بالأعلى للثقافة

تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد وزير الثقافة، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، أقيمت مائدة مستديرة بعنوان "النيل وتشكيل الهوية المصرية" ضمن فعاليات الاحتفاء بوفاء النيل، والتي تضمن عدداً من الفعاليات في قطاعات وزارة الثقافة.
بدأت المائدة بكلمة الدكتور أسامة طلعت رئيس دار الكتب والوثائق القومية وأستاذ علم الآثار الإسلامية والقبطية بكلية الآثار جامعة القاهرة، عن التأثير الوجداني لنهر النيل في المصريين من حيث وضعه الجغرافي، وأكد أن للنيل تأثيرًا نفسيًّا وعاطفيًّا في المصريين جميعًا، فنحن نبتهج دون أن نعلم لماذا، فقط عندما نراه أو ننظر إليه، ولو من بعيد. وأكد أن النيل هبة المصريين وليس العكس، وأضاف أن وجوده كان سببًا في إقامة حضارة على ضفتيه، فهو محفز عظيم للقدماء المصريين لكي يقوموا بدراسته جغرافيًّا وكانت لهم دراسات مهمة مكنتهم من معرفة أسراره، كذلك كان سببًا في استقرار الزراعة التي كان من أثرها تحوُّل مسار البشرية وقتها تحوُّلًا جوهريًّا، فالزراعة عرفت من النيل ووجود الماء، فكل ما هو أخضر في مصر كان نتيجة وجود هذا النهر العظيم، ثم تحدث عن ورق البردي وتقنيات الحفر، كذلك أسطورة دموع إيزيس التي شبهوها بانسياب مياه نهر النيل، وأكد أن هندسة الري جزء أصيل من الدراسة الميدانية، ففي كليات الهندسة أخذت شكل منصرفات مائية وما يشابهها، وأشار إلى أن المصريين اهتمُّوا بمقاييس النيل، والتي أخذ أحدها شكل سلم بدرجات يعرفون منه ارتفاع منسوب المياه عندما تختفي تلك الدرجات واحدة تلو الأخرى.
وكان هناك أيضًا مقياس النيل في جزيرة الروضة، والذي يحتوي بئر المقاييس لمنسوب مياه النيل الذي تدخل منه المياه إلى البئر من فوهات واسعة، وقال إن المنسوب الأمثل هو 16 ونصف ذراع، وهو المنسوب المثالي الذي "يوفي" ومنه جاءت جملة أن فلان "وفَّى وكفى".
وعما قام به محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، قال إنه بسبب فيضان النيل أنشأ القناطر الخيرية وترعة الإسماعيلية وترعة المحمودية وغيرها للتحكم في هذا الفيضان، وتطرَّق بحديثه عن مشروع السد العالي الذي أنشئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقال عنه إنه أهم مشروع مائي في القرن العشرين.
ثم تحدث الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي وخبير المخطوطات عن الطقس القديم وهو إلقاء عروسة للنيل؛ هذا التقليد الذي قال إنه في العصر البيزنطي، وكان مستغربًا أن يكون هذا تقليدًا لهم، كما ذكر عدد من المؤرخين الذين كتبوا عن النيل وعظمته، وما قدموه من كتب تحدثوا فيها عن النيل ومنابعه، كذلك تحدث عن عدد من الرحالة الذين عبروا النيل إلى محافظات كثيرة على ضفافه وما وصفوه في رحلاتهم تلك، كذلك ذكر أن في السينما المصرية سوف نجد أن هناك بعض الأعمال ظهر بها مهنة كانت موجودة منذ زمن وهي" ناظر الزراعة"، وكانت مهنة لها علاقة وثيقة بالزراعة، شاهدت كثيرًا في السياق الدرامي لتلك الأعمال السينمائية، كما تحدث أيضًا عن عدد من الكواليس التي كانت تسبق احتفالية وفاء النيل في القدم وما كان يقوم به القائمون على الاحتفالية من استعدادات خاصة وما سجله المؤرخون عن هذا الحدث، ثم اختتم حديثه بسرد عدد من الكتب والدراسات التي حكت عن تاريخ النيل، كذلك ذكر بعض المستشرقين الذين اهتمُّوا بتاريخ الدلتا في شكل مقالات ومذكرات شديدة الأهمية.

وتحدثت الدكتورة إيمان عامر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة التي قدمت التحية لوزارة الثقافة، لاهتمامها الملحوظ هذا العام بمناسبة وفاء النيل، وقالت إن مثل هذا الاهتمام يؤكّد هويتنا المصرية وفخرنا بها، كما يؤكد تأثير هذا الاهتمام بأشيائنا الخالدة العظيمة على الشخصية المصرية، فالاهتمام بالهوية يعد محورًا أساسيًّا في الصمود أمام كل المتغيرات العالمية التي نراها الآن، فالنيل العظيم استطاع على مر التاريخ أن يجعلنا نكتسب صفاته، ومنها السماحة والكرم لإدراك المصري أهمية أن يبادله ما رآه من فيضه وكرمه، فبدأ يجتهد بتنظيم فيضه وأحيانًا فيضانه ليستفيد منه في الحالتين، وبرز ذلك أيضًا من خلال حرص المصري على طهارة ذلك النهر، فقديمًا كانوا يعتقدون أن من يلوِّث ماء النيل قد تصيبه لعنات الآلهة، فعيد وفاء النيل هو عيد يعبر عن امتنان المصريين وافتخارهم بنهر النيل، فهو من أهم ركائز حضارة المصريين القدماء وحضارة مصر كما وصفتها كانت "حضارة ريفية" رغم ما تملكه من تقدم وازدهار، وأضافت أن النيل استطاع أن يؤثر في لغة الشعب المصري فأصبحت لغته ناعمة رومانسية، فكلما اقتربنا منه رقّت ونعمت اللغة وأصبحت شفافة حالمة، وكلما بعد الناس عنه وذهبوا إلى الصحراء أصبحت لغتهم جافة كالأجواء المحيطة بهم، ثم ذكرت عددًا من القصائد الرائعة التي تغنّت ووصفت جمال وسمرة النيل، والتي تؤكد رؤية الشعراء وشكل إبداعاتهم من وجود هذا النهر الخالد، كما ذكرت أيضًا عددًا من الأفلام المصرية التي حملت اسم النيل ودارت تفاصيلها على ضفافه.
وعن الشخصية المصرية ومدى تأثرها بنهر النيل تحدث الدكتور خلف الميري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية البنات جامعة عين شمس، والذي قال إنه دون شك أن مصر هبة النيل ولكن أيضًا لا بد أن نذكر أن الشخصية المصرية التي نشأت في بيئة زراعية مستقرة اكتسبت صفات مهمة وأساسية في بناء حضارة مصر القديمة والحديثة، وأضاف أن معظم الحضارات الإنسانية العريقة نشأت على ضفاف أنهار عظيمة، فلا حضارة حقيقية بغير ماء، ثم تحدث عن الموقع الذي تمتاز به مصر، والذي وصفه بأنه موقع متفرِّد بين بلدان العالم، فالوادي الذي نشأ على جانبي النيل جعله يتعلم الاستفادة من النهر وطبيعته الهادئة والسائرة، فإذا نظرنا كيف تعامل الإنسان المصري مع هذا النهر العظيم وكيف اهتدى إلى فنون الزراعة، وأنشأ السدود والآبار وما غيرها من أعمال تدل على أن الإنسان المصري القديم عرف أهمية هذا النهر جيدًا، وأن الشخصية المصرية استطاعت أن تنصهر في إطار حضاري لدولة لها صفات خاصه مثل مصر، فإن نهر النيل كان من أهم ركائز تشكيل تلك الشخصية المتفردة كما تحدث الميري عن استخدام مياه النيل في النقل للدرجة التي أنشأ من أجلها هيئة عامة للنقل النهري بعد ثورة يوليو المجيدة، كما تحدث عن الاستفادة من النهر قديمًا في أشكال بدائية للنقل كان لها تأثير كبير اقتصاديًّا وحضاريًّا.
وتحدث الدكتور أحمد الشربيني أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب جامعة القاهرة عن تأثير النيل في مصر اقتصاديًّا، كذلك على معظم الحضارات الإنسانية الأخرى، كذلك تحدث عن القطاع الزراعي وأهميته في عهد محمد علي والخديوي إسماعيل ومشروعاتهم كذلك تخصيص بعض المحاصيل لاستخدامها في الصناعة لكي تزدهر بشكل كبير، كذلك تحدث عن الدلتا الجديدة في ظل تأكل بعض الأراضي الزراعية بسبب البناء عليها ومدى تأثير نهر النيل في شكل هوية مصر الزراعية ثم أضاف الشربيني أن نهر النيل خلق عقلًا اجتماعيًّا جمعيًّا، فبوجوده أدرك البشر أن لا مفر من التعامل مع الآخر والتعاون معه في أمور عديدة، وفي أوقات معينة كالفيضان مثلًا، كذلك كان السبب في تآكل المساحات الصحراوية، والتي يطلق عليها البادية بسبب سياسة التوطين وتوصيل المياه إلى أماكن جافة قاحلة، وللنيل كما قال دور في تشكيل وجدان المجتمع، كما شكّل هوية مصر السياسية فظهرت الدولة المركزية منذ عهد مينا موحّد القطرين، وبعد ذلك تبلورت وأخذت أشكالًا كثيرة مهمة في فترات تاريخية لاحقة.