الإعلامى وجدي وزيرى يكتب: حين ماتت وهى تدعو لى

كنت أقول دائمًا: "زوجتي، تراب قدميها أغلى عندي من الدنيا وما فيها".
تزوجتها وهي في السادسة والعشرين من عمرها، فتاة عفيفة الخُلق، بهية الطلعة، تشهد لها القلوب قبل الألسنة بجمالها ورقيّها.
تقدّم لها من هو أفضل مني في المال والمكانة، لكن الله وحده جمع بين قلبينا، وكانت تلك أعظم نعمة وهبها لي القدر.
كنت موظفًا بسيطًا في قطاع خاص، لا أملك من الدنيا إلا الرضا. وكنت أحيانًا أمازحها قائلًا:
"تركْتِ عزَّ بيت أبيك وجئتِ إلى فقر بيتنا!"
فتبتسم وتجيبني بحنان:
"لقمة بملح معك، فيها حب، أجمل من الدنيا بما فيها."
في عام زواجنا الأول، كنت قد خُدِعت في صفقة وخسرت كل ما أملك — مائتين وخمسين ألف جنيه — كل ما ورثته من قيراط أرضٍ بعتها لأبدأ حياتي.
قبل ولادتها بيومين، قالت لي وهي تمسح على بطنها:
"البيبي ده هيكون وشّه خير علينا."
وصدق حدسها…
فبعد ثلاث سنوات من المحاكم والمطاردات، أعاد الله لي مالي من نصّابٍ احتضر، وكأن الله استجاب لدعائها.
رزقنا الله بطفلنا الأول، ومعه بدأنا حياة جديدة.
قالت لي بعد شهرين من ولادته:
"فلوسك رجعت، نبدأ بيها مشروع بدل ما تفضل نايمه في البنك."
اقترحت مشاريع كثيرة، حتى افتتحنا سلسلة محلات صغيرة — ملابس، وأحذية، وسوبر ماركت.
كانت تدير العمل بحكمةٍ لا تُوصف، تمسك المصروفات وتوفّر كل جنيه، بينما كنت أنا كريمًا حدّ التبذير.
كنت أطلب منها المال كما يطلب الابن من أمه، وأثق أنها لن تخذلني أبدًا.
ثلاثة عشر عامًا من الكفاح المشترك جعلتني أرى فيها طريقي إلى المجد.
هي من دفعتني لأترك الوظيفة وأتفرغ للتجارة، وهي من علّمتني أن الطموح لا عمر له.
كبر الحلم حتى صار لنا مصنع نسيج وتفصيل، ثم علامة تجارية يعرفها الناس في كل مدينة.
تسعة عشر عامًا من الزواج…
أصبحنا نملك شركتين، ومصنعين، وعمارتين، ونُشغّل أكثر من أربعمائة وخمسين موظفًا.
كتبت لها نصف أملاكي عرفانًا بفضلها، لكنها قطّعت الورق وقالت لي:
"أكرمتني بمعاملتك الطيبة، وهذا أعظم من كل مال الدنيا. نحن لم نصل بجهدي وحدي، بل بركة ربنا ثم حبنا لبعض."
كانت بيتها مفتوحًا لكل محتاج، والناس أحبوها أكثر مما أحبوني.
حين نسير في الشارع، يتزاحم الناس ليسلموا عليها، وكأن النور يسير بينهم.
ثم جاء اليوم الذي خاف منه قلبي.
تعبت قليلًا، فسافرتُ بها للعلاج، وعُدنا بعد أن طمأننا الأطباء.
وفي ليلة الجمعة، الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، سمعتها تصلي قيام الليل وتبكي، وتقول:
"اللهم أكرمه في الدنيا والآخرة كما أكرمني ورعاني فيك."
بكيت وأنا أسمعها تدعو لي، ثم سكت صوتها فجأة…
اقتربتُ منها، حرّكتها… فلم تتحرك.
رحلت وهي ساجدة، وهي تدعو لي.
رحلت وتركتني جسدًا بلا روح، بيتًا بلا دفء، عمرًا بلا معنى.
أنشأت جمعية خيرية باسمها، وكل عمل خيرٍ أقدّمه يكون صدقةً على روحها.
أزورها كل يوم، وأتحدث معها كأنها تسمعني.
مرّت خمس سنوات على رحيلها، ولا يمر يوم إلا وأراها في المنام، تبتسم وتقول لي:
"مستنياك في الجنة… هنكمل هنا سوا."
حياتي بدأت يوم خطوبتي منها، وانتهت يوم فارقتني.
رحلت وهي تدعو لي… وأنا ما زلت أعيش بدعائها.