مصطفى صلاح يكتب: رجل الظل الذى أعاد للمنطقة توازنها ..بصمة اللواء حسن رشاد فى إتفاق غزة

وأنت تمضي في شوارع مصر، سلِّم على من ربّى وعلّم، وعلى من كبر فصار ضوءًا في عيون الوطن. سلِّم على من جعل من العرق صلاة، ومن الصبر طريقًا في كل شارع، وفي كل يدٍ متعبة، وفي كل عينٍ ساهرة، تسكن روح مصر.. تلك الروح التي لا تموت، مهما تبدّل الزمان وتبدّلت الوجوه.
في لحظاتٍ يظنّ فيها العالم أن الأرض انقسمت نصفين، وأن النيران لن تخمد، تخرج مصر من بين صمتها القديم، حاملةً رسالتها الخالدة أن الحياة لا تُقام على الدم، وأن السلام لا يُكتب إلا بيدٍ نظيفة تعرف معنى التضحية. وفي الأيام الأخيرة، حين كانت غزة تختنق بين الحصار والنار، عادت القاهرة إلى دورها الطبيعي: ميزان العقل في زمنٍ مختلّ، وصوت الإنسانية في عاصفة الجنون.
من هناك، من قلب جهازٍ يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، تحرك اللواء حسن رشاد، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية. رجل لا تُعرف تفاصيله على الشاشات، لكنه حاضر في كل لحظة تُعيد فيها مصر صياغة التوازن الإقليمي بخلفيةٍ أمنية رفيعة، وخبرة طويلة في الملفات الإقليمية، قاد اللواء رشاد واحدة من أعقد المفاوضات في السنوات الأخيرة: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي أنهى موجةً دامية من التصعيد، وفتح الباب لعودة الهدوء والحياة.
لم تكن المهمة سهلة، ولا الطريق ممهدًا فبين أطرافٍ متنازعة لا تثق في أحد، كان لزامًا على القاهرة أن تثبت من جديد أنها بيت العرب الكبير. وعبر سلسلة من الاجتماعات المكثفة التي استمرت أيامًا طويلة في القاهرة والعواصم الإقليمية، استطاع اللواء حسن رشاد، بمعيته فريق من أكفأ رجال الدولة المصرية، أن ينسج خيوط التفاهم، ويعيد رسم خطوط الأمل على وجه المنطقة المنهكة.
لم يكن دوره محصورًا في الوساطة السياسية فحسب، بل في إدارة موازين القوة والكرامة في آنٍ واحد. فمصر لم تكن وسيطًا محايدًا، بل دولة صاحبة ضمير كانت تحاور الجميع وهي تحمل وجع الإنسان في غزة، وتدرك أن أمن فلسطين جزء من أمن مصر القومي هذه هي عقيدة الدولة المصرية التي لم تتبدل: أن العدل أساس السلام، وأن أمن الإقليم يبدأ من وعي القاهرة بواجبها التاريخي.
من يعرف دهاليز العمل الوطني، يدرك أن ما قام به اللواء حسن رشاد لم يكن مجرد جهد دبلوماسي، بل عملية استراتيجية مركبة، تتداخل فيها السياسة بالأمن، والعقل بالعاطفة، والحساب بالإنسانية. لقد جاء الاتفاق بعد مفاوضات مضنية، شاركت فيها قوى إقليمية ودولية، لكن الكلمة الأخيرة كانت للقاهرة. ومن قلبها خرج صوت يقول للعالم “مصر ما زالت هنا، وستظل ضمير هذه المنطقة مهما تعاقبت الأزمات”.
ولم يكن ظهور اللواء حسن رشاد إلى العلن مصادفة، بل إشارة إلى أن مصر تدخل مرحلة جديدة من الوضوح والفاعلية في ملفاتها القومية. فالرجل الذي حمل إرث أجيال من رجال المخابرات الذين صنعوا تاريخًا من الظلال، بات اليوم رمزًا لعصرٍ تتحدث فيه مصر بثقةٍ وحكمة، وتُمارس دورها من موقع الفعل لا الانفعال.
ومن خلف صمته المنضبط، بدا اللواء رشاد صورةً حية للمسؤول المصري الذي يجمع بين الرؤية الإنسانية والحساب الاستراتيجي. لم يتحدث كثيرًا، لكنه ترك أثرًا عميقًا في عواصم القرار. فقد عرف متى يصمت ليُفكر، ومتى يتحدث ليُغيّر. هذا النمط من الرجال هو الذي حفظ لمصر هيبتها، وجعل من حضورها وزنًا لا يُقاس بالخطابات، بل بالفعل المتزن، والعقل الصلب، والإيمان بأن الأمن الحقيقي هو أمن الإنسان أولًا.
في النهاية، لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة انتصارًا لمصر فحسب، بل تأكيدًا متجددًا على أنها ما زالت قادرة على صون الإقليم من الانهيار.. فحين خمدت النيران، وعاد الصمت إلى السماء، كان الجميع يدرك أن وراء هذا الهدوء عقلًا مصريًا رصينًا، وقيادة تعرف كيف تصنع السلام من بين الركام.
هكذا هي مصر، حين ينام العالم، تظل هي يقظى.. حين تنكسر المعادلات، تظل هي الميزان، وفي وجوه رجالها المخلصين، أمثال اللواء حسن رشاد، نرى استمرار ذلك الخيط الرفيع الذي يربط الماضي بالحاضر، خيطٌ من الإخلاص والحنكة والإيمان العميق بأن الوطن لا يُخدم بالكلمات، بل بالفعل الصامت الهادئ الذي يصنع التاريخ.