القوائم المغلقة المطلقة: تكريس للتهميش السياسى وتغول على الارادة الشعبية

في الوقت الذي تتجه فيه العديد من الدول نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتعزيز آليات التمثيل النيابي العادل، تصر الأغلبية البرلمانية في مصر على الإبقاء على نظام القوائم المغلقة المطلقة، وهو نظام تجاوزه الزمن وتجاوزته التجارب الديمقراطية الحديثة.
هذا الإصرار لا يمكن اعتباره خيارًا تقنيًا فحسب، بل هو في جوهره تعسف سياسي وتغول على حق الشعب في اختيار ممثليه، حيث يُنتزع من الناخبين حقهم في المفاضلة بين مرشحين، ليُفرض عليهم قائمة مغلقة لا يعرفون عنها سوى أسماء رتبتها قيادة حزبية منغلقة على ذاتها، ما يفقد العملية الانتخابية معناها الحقيقي.
القائمة المطلقة تُنتج أغلبية مصطنعة، لا تعكس الحجم الحقيقي للقوى السياسية في الشارع، وتقصي كل صوت معارض أو مختلف، مما يؤدي إلى مجالس نيابية باهتة، ونواب لا يمتلكون الجرأة أو الشرعية الكافية للتعبير عن هموم المواطنين.
التجربة التي عايشناها في محافظة أسوان تمثل أوضح الأمثلة على هذا الخلل، حيث فُرضت قوائم لا تعبّر عن النسيج الاجتماعي والسياسي للمحافظة، وكانت نتائجها بعيدة كل البعد عن التمثيل العادل والمنصف.
هذه الممارسات لا تفسد فقط بنية العمل البرلماني، بل تنعكس مباشرة على الحالة النفسية والسياسية للمواطن، فتغيب الثقة في الانتخابات، ويعمّ الإحباط، وتنتشر السلبية، ويعزف كثيرون عن المشاركة السياسية، خاصة في الانتخابات البرلمانية، التي باتت تُنظر إليها على أنها مجرد إجراء شكلي لا يغير من الواقع شيئًا.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال حقيقة أن قانون مجلس النواب الحالي، الصادر برقم ٤٦ لسنة ٢٠١٤، والقانون رقم ١٧٤ لسنة ٢٠٢٠ في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، يمثلان عقبة حقيقية أمام بناء حياة سياسية سليمة ومتطورة. فكلا القانونين يعكسان رؤية قاصرة لا تواكب متغيرات العصر ولا تستجيب لطموحات الشباب أو القوى السياسية الجديدة، بل انتكاسة في مسار التحول السياسي، وعودة إلى منطق التعيين المقنع، وهو ما يستدعي وقفة جادة من كل القوى الوطنية المؤمنة بالإصلاح الحقيقي، للمطالبة بنظام انتخابي عادل، يقوم على النسبية المفتوحة أو الفردي العادل، ويضمن تمثيلًا حقيقيًا لكافة فئات المجتمع.
فالإصلاح السياسي لا يبدأ من الشعارات، بل من قواعد اللعبة الديمقراطية ذاتها، وأولها: كيفية انتخاب البرلمان يعبر تعبير حقيقي عن الشارع المصري.