الموجز اليوم
الموجز اليوم

السيناريست عماد النشار يكتب: شيخ العرب ”المسلمانى” !

لا جديد يُذكر، ولكن القديم يُعاد – هكذا يمكن تلخيص العام الأول من تجربة الإعلامي والكاتب أحمد المسلماني على رأس الهيئة الوطنية للإعلام.

الرجل الذي دخل ماسبيرو كأنه "شيخ العرب" عائد إلى ديوانه القديم، حاملاً راية المصالحة مع الماضي، لا مشاعل المستقبل.

فمنذ أن وطأت قدماه المبنى العتيق في نوفمبر 2024، بدا أن مشروعه الإصلاحي هو إعادة تدوير ما تم طيّه، واستحضار من تقاعدوا طوعًا أو كرهًا، وكأننا بصدد موسم حج إعلامي إلى أرشيف الثمانينيات والتسعينيات. التطوير عند المسلماني يعني أن "نستعيد ما فقدناه"، لا أن "نبتكر ما نحتاجه"، ولا يعني التقدم للأمام بقدر ما يعني العودة للخلف... بديكور مختلف.

أولى خطوات المسلماني كانت في إذاعة القرآن الكريم. قرار "نبيل" بإلغاء الإعلانات التجارية اعتبارًا من يناير 2025، لأن الإذاعة - حسب قوله - ليست ساحة لبيع الأعشاب ومستحضرات العطارة، بل "مكان للخشوع".

لكن ماذا بعد؟ تمت إعادة توزيع البرامج الدينية إلى إذاعات أخرى، وإطلاق شعار "الأفضل بين الأفاضل"، جميل، ولكن ألم نكن نحتاج خريطة فكرية جديدة بدلًا من إعادة تغليف القديم بشعارات رنانة؟ باختصار: تمت إزالة الإعلانات... لكن لم تُضف أفكار، أُعيد ترتيب القديم، وتغليفه، وتقديمه لنا في صورة تبدو أكثر تهذيبًا... لكنها ليست أكثر حداثة. فهل هذا عودة للهيبة... أم تسكين الأوجاع؟

على مستوى البنية الإدارية، بدأت "الطرقات الناعمة" تتوالى أيضًا. بدت كتجميل الممرات دون مساس بالسقف، بعض التعيينات هنا وهناك، ولجان للرعاية، ضمن ما يشبه "حركة تعيينات تبادلية" أكثر منها ثورة إدارية، وخطط لإصلاحات تنظيمية، كلها خطوات تبدو محسوبة بعناية، وكأن الهدف ليس الاقتحام بل التهدئة. طموحات مثل تثبيت الكفاءات، إعادة هيكلة الموارد، وتطبيق الإدارة الحديثة، بقيت معلّقة في الهواء، مؤجلة تحت لافتة "قيد الدراسة"، وكأننا ننتظر لجنة تشاور قبل إتخاذ أي خطوة جريئة مع الإعتماد على نفس اللجان القديمة تحت قيادة حديثة!

وعندما حانت لحظة الإبداع، جاء مؤتمر "مستقبل الدراما في مصر" في أبريل 2025 ليكون أول إختبار حقيقي لنية التغيير.

تنظيمٌ جيد، حضور كريم من كبار صنّاع الدراما والفكر، جلسات مطولة حول الإنتاج والمعالجات، وتكريمات بالجملة لمن لهم فضل لا يُنكر، فُتحت المايكات، وتحدث الجميع، وتوزعت الأوسمة والدروع وشهادات التقدير، ليحتفل المؤتمر "الأمل" بذكرى ميلاد الماضي، لا بولادة مستقبل.

نعم، المؤتمر خرج بتوصيات "استراتيجية"... لكن الواقع بقي استاتيكي. لا خطة إنتاج واضحة، لا شراكات تنفيذية، لا تحوّل حقيقي في هيكل ماسبيرو الدرامي، فقط شعارات مثل "أدب الرواية" و"الإنتاج الوطني"... وكأننا نخطط لمهرجان ثقافي، لا لمشروع إعلامي عصري.

فإذا كان الهدف من المؤتمر إنقاذ الدراما، فهل تكفي الصور التذكارية وشهادات التقدير لإنعاشها؟ لقد بدا المشهد أقرب إلى مهرجان محبة، لا منتدى لتفكيك الجمود وتحريك العجلة الإنتاجية.

أما عن "إعادة الروح" للشاشة، فجاءت عبر عودة عدد من الوجوه الإعلامية المخضرمة: محمود سعد، خيري رمضان، وعمر طاهر. أسماء لها بصمة لا تُنكر، وتاريخ مهني جدير بالاحترام، وتركت في وجدان المشاهد المصري والعربي أثرًا كبيرًا لا يمكن تجاوزه.

عاد محمود سعد بعد 14 عامًا من الغياب ببرنامج "باب الخلق"، ليُعرض على التلفزيون المصري... وكأن قناة النهار لم تكن تكفي، أما الإعلامي عمر طاهر، فقد دخل بثوب شبابي عبر برنامج مصوَّر، يبدو كأنه محاولة لتذكير جيل "السوشيال ميديا" بأن هناك شيئًا إسمه التلفزيون الأرضي، ألا يُفترض بالتطوير أن يُفسِح المجال لدماء جديدة، وأفكار خارج الصندوق، لا فقط إعادة تدوير الوجوه المألوفة؟ وهل هذه هي الوجوه التي يحتاجها الجيل الجديد؟ هل يكفي أن نُعيد ما كان ناجحًا بالأمس كي نتواصل مع من لا يشاهد التلفزيون أصلاً اليوم؟

الجيل الحالي، الذي يستهلك محتواه عبر الهاتف وفي دقائق محدودة، يحتاج لغة جديدة، إيقاعًا مختلفًا، ووجوهًا تُشبهه لا تُربّيه، أن يعود "باب الخلق" إلى الشاشة، وأن تُبث برامج عبر أكثر من منصة، أمر جيّد من حيث المبدأ... لكن أي جمهور ننتظر أن يستجيب؟

وبين هذه القرارات، التي تتأرجح بين التقدير الرمزي والتطوير المحدود، يبقى سؤال المشروع الكبير: هل جاء المسلماني ليصنع ثورة في ماسبيرو، أم ليعقد مصالحة مع الزمن الجميل؟ المتأمل في خطواته خلال عامه الأول سيجد أن الرجل لم يختر المواجهة، بل التهدئة. لم يرفع شعارات التغيير الجذري، بل اختار طريق الصمت والعمل البطيء. أعاد أسماء، رتّب أوراقًا، نظّف الممرات... لكنه لم يفتح السقف.

ربما يستحق الثناء على النوايا الطيبة، وعلى أسلوبه الهادئ في إدارة ملف بالغ الحساسية، لكن ذلك لا يعفينا من قول الحقيقة: المؤسسات العتيقة لا تُنقذ بالمجاملات، ولا تُفتح نوافذها بإعادة الفضل لأصحابه فقط.

أحمد المسلماني لم يأتِ ليهدم، هذا واضح، لكنه أيضًا لم يأتِ ليُعيد بناء الهيكل، بعد عام في مقعد شيخ القبيلة الإعلامية، بات جليًا أن مشروعه أشبه بـ"جلسة عرفية" بين ماسبيرو وماضيه، لا مشروع إنقاذ عصري حقيقي. فالمصالحات وحدها لا تبني مؤسسات، ولا تُشعل شاشات، ولا تُحرك كاميرات.

ما يحتاجه ماسبيرو اليوم ليس جلسة عرفية، بل ورشة تفكيك وبناء... قيادة ترى المستقبل، لا تستعيد الذكريات.

ماسبيرو بحاجة إلى ما هو أبعد من قرارات تجميلية، وأبعد من سحب أسماء الماضي من على الرفوف، يحتاج ما هو أكبر بكثير من مجرد إعادة البثّ لبرامج مألوفة، أو تغيير توقيتات نشرات، أو تقليم أظافر الفوضى الإدارية. يحتاج إلى انفجار فكري وتنفيذي يعيد تشكيله بالكامل، ورسم الخريطة من الصفر، لا فقط "لمسة حانية" من شيخ عرب نواياه طيبة، وخطواته بطيئة، ومشروعه لا يزال في مرحلة التقديم، في إنتظار أن يتحول إلى شيء ملموس.

والمفارقة أن كثيرًا مما نراه اليوم – من إعادة بث وتكريمات واحتفاء بالذاكرة – موجود بالفعل على شاشة "ماسبيرو زمان"، القناة التي نحتفل هذه الأيام بمرور تسع سنوات على إنطلاقها، بالتوازي مع إشعال الشمعة الأولى لتولي المسلماني رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام.

هل نحاسب الرجل على نواياه؟ بالتأكيد لا، ولكن بعد عام كامل، لم نرَ سوى "كتيب تعليمات" قديم، أعيد تجليده على يد شيخ يعرف أصول المجالس...دون أن يحقق التغيير الجذري المنتظر.